بقلم : تيسير الغوطي
أسدل الستار على مؤتمر الحوار الوطني بالقاهرة 9\2\2021 والذي شاركت فيه غالبية القوى والفصائل الفلسطينية (14فصيل) بصدور وثيقة الحوار الوطني ، وأهم ما جاء فيها قبول الغالبية بالموافقة والمشاركة في الانتخابات المتتالية والتي ستبدأ بانتخابات المجلس التشريعي في الثاني والعشرين من مايو 2021، فيما تحفظت الجبهة الشعبية لأنها ستكون محكومة بسقف اتفاق أوسلو المشؤوم ، أما حركة الجهاد الإسلامي فقد أعلنت بصراحة ووضوح مقاطعتها للانتخابات لذات السبب المتمثل بسقف أوسلو، وانسجاماً مع مبادئها وثوابتها ومواقفها السابقة تجاه انتخابات 1996،2006 .
رفض القبول بالانتخابات القادمة والتي ستجري تحت مظلة وسقف أوسلو وما ترتب عليه من التزامات وتنازلات لصالح العدو الصهيوني أدت لضياع 79%من أرض فلسطين التاريخية، وستمهد الطريق لضياع غالبية الجزء المتبقي من فلسطين، هو موقف يستحق الثناء والتقدير والاحترام لكل من رفعه والتزم به إيماناً بحقنا الكامل في كل فلسطين، ورفضاً للتنازل عن شبر واحد منها للعدو الصهيوني الغاصب للأرض والمقدسات والحقوق، ومن هنا كان تثمين عدد من الكتاب والمفكرين لموقف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الرافض للمشاركة في الانتخابات المقبلة كونها ستجري تحت مظلة وسقف اتفاق أوسلو مع الكيان الصهيوني، ومطالبتها التركيز على وحدة العمل الوطني وضرورة الوصول إلى توافق بين الكل الفلسطيني حول ميثاق شرف وطني يتضمن الثوابت الوطنية وفي مقدمتها التخلص من الاحتلال الصهيوني الجائر، فقد قال الدكتور مخيمر أبو سعدة (أستاذ العلوم) السياسية بجامعة الأزهر –غزة "موقف حركة الجهاد الإسلامي يعدم المشاركة في الانتخابات المقبلة مبدئياً ويحترم", فيما قال الدكتور هاني البسوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس " إن موقف حركة الجهاد الإسلامي يقدر ومحسوب سياسياً, وفيه نوع من العقلانية, فيما يتعلق بالواقع السياسي الصعب الذي نعيشه حالياً"، مضيفاً " ترى حركة الجهاد الإسلامي أن الأفضل أن يكون هناك توافقا وطنيا قبل الانتخابات، لأن المدخل الأهم للعملية الانتخابية بالنسبة للحركة هو التوافق، وهذا موقف يحسب لها, وهذا الموقف له مكانة ويحترم على الصعيد الشعبي، وحتى كل الفصائل الفلسطينية تحترم هذا الموقف"، أما الدكتور أحمد رفيق عوض أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة – أبو ديس فقال " موقف الجهاد الإسلامي متوقع تماما ٌ وهو ينسجم مع المواقف السابقة", وأضاف " موقف الجهاد عقلاني إلي حد كبير", معتبراٌ أن هذا الموقف ليس غريباٌ على الحركة, وأن هذه معارضة وطنية مسئولة, وهي ضرورة أخلاقية ووطنية وسياسية "، أما الدكتور إبراهيم أبراش فاعتبر " أن موقف حركة الجهاد الإسلامي صحيح وقوي، ولو شاركتها به حركة حماس وفصائل أخرى سيكون أكثر قوة "، مضيفا "أن بقاء قوى و فصائل في الساحة الفلسطينية ترفض التسوية السياسية واتفاقات أوسلو أمر مهم ومطلوب ، معتبراُ أن مشاركة حماس وفصائل أخرى سيضاعف الأعباء والتحديات على حركة الجهاد الإسلامي، أما الكاتب والمحلل طلال عوكل فقد وصف موقف حركة الجهاد الإسلامي " بأنه تاريخي " مؤكداٌ أن هذا الموقف يحترم ولا يبعد الجهاد عن المؤسسة الوطنية ".
إن صوابية قرار رفض المشاركة في الانتخابات ( إضافة لأنها محكومة بسقف أوسلو), يكمن أيضا في الدوافع لإجراء هذه الانتخابات في هذا التوقيت، وقبل الوصول إلي توافق وطني أو حتى قبل تطبيق ما تم الاتفاق عليه في جلسات حوار وطني قبل ذلك وفي مقدمتها حوار الأمناء العامون في بيروت 2020، هذه الدوافع التي يرى فيها محللون سياسيون أنها ممراً إجبارياً لتحقيق رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة لإحياء مسار المفاوضات السلمية ( العبثية ) مع الكيان الصهيوني، يقول د. مخيمر أبو سعدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر" الانتخابات ستفتح الطريق لمحادثات سياسية جديدة بين السلطة وإسرائيل، وهذا ما تريده إدارة بايدن", ومن هذه الدوافع الضغوط التي تتعرض لها حركة حماس، يقول أشرف أبو الهول رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية "إن العامل الإقليمي المتمثل باعتراف عدد من الدول العربية بإسرائيل وسعي تركيا وقطر لعلاقة طبيعية مع إسرائيل وتداعيات حصار غزة، ٍكل هذا جعل حماس تخاف من أن تكون بدون مظلة حماية مما دفعها لقبول الانتخابات", فيما يقول الأستاذ محمد مشارقة مدير مركز التقدم العربي للسياسات في لندن", إن حماس أجبرت على التوافق لتأهيل نفسها في إطار النظام السياسي المثقل باتفاقات أوسلو والتنسيق الأمني مع الاحتلال والعودة للمفاوضات باعتبارها الآلية الوحيدة للحلول", مضيفاً " أن البديل مطاردة حماس في العالم كحركة إرهابية خارجة عن الشرعية"، ويؤكد ما سبق ما نقلته وكالة سما الإخبارية 12/2/2021 عن قيادي كبير في حماس قوله " إن الحركة اتخذت قراراً حاسماً في المضي في الانتخابات بعد حصولها على ضمانات عربية و إسلامية و أجنبية "، في إشارة كما يبدو إلي مصر و قطر و تركيا و روسيا ، مشيراً إلي أن " حماس تريد أن تكون فصيلاً معترفاً به دولياً في منظمة التحرير و شريكاً في السلطة حتى و لو بنسبة أقل ".
هذه الأقوال والتحليلات تدفع بالمرء إلي القول أن الانتخابات ليست أكثر من إخراج لتوافق بين حماس وفتح على تقاسم السلطة والنفوذ في غزة والضفة الغربية, ولكن تحت غطاء وشرعية الانتخابات، مما يعني تأكيد وترسيخ الانقسام البغيض الذي حدث عقب انتخابات 2006، بدلاً من السعي لإزالة وإنهاء هذا الانقسام عبر توافق وطني يشمل الكل الفلسطيني وليس حركتي فتح وحماس فقط، وهو ما ذهب إليه أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية د. حسام الدجني بقوله " إن أقرب سيناريو لما بعد الانتخابات هو فدرالية بين رام الله وغزة، ليشكل عباس حكومة مركزية تضم الوزارات السيادية وتتولى الإشراف على العلاقات الخارجية وجلب وإدارة المال، بينما تدير حماس مؤسسات حكومية خدماتية في قطاع غزة ".
في ظل تلك الآراء والمواقف التي تعكس وتؤكد صوابية قرار عدم المشاركة، ومعرفة تلك الدوافع لإجراء الانتخابات في هذا التوقيت وقبل التوافق الوطني, يأتي السؤال المهم هل تكتفي حركة الجهاد الإسلامي وكل من يرفض المشاركة من الفصائل وحتى الأفراد بقرار عدم المشاركة، ثم يلتف على ذلك بالدعم والتوجيه لصالح قوائم أخرى، أو بالدخول ضمن قوائم مشاركة في الانتخابات لا تحمل أسمه وعنوانه ؟؟؟
إن الذي يرفض المشاركة في الانتخابات بقائمة مستقلة تحمل أسمه وعنوانه لموقف مبدئي اتخذه بسبب أنها تتم تحت مظلة وسقف أوسلو اللعين، ثم يشارك فيها من تحت الطاولة عبر الدعم والتوجيه والتنسيق والمشاركة مع آخرين من الذين يشاركون في الانتخابات، هو فقط الذي يخشى النتائج لقلة عدده وضعف مكانته وإمكانياته، وتوقعاته لنتيجة منخفضة وسيئة .
إن أي مشاركة في الانتخابات بأي شكل وأي نسبة هو قبول بالعملية الانتخابية وسقفها ونتائجها وما ستقود إلية من مفاوضات ونتائج مفاوضات، مهما تشدق بعبارات طنانة وتصريحات نارية، ومهما حاول لي عنق المبادئ والثوابت والمواقف لتتساوق مع موقفه بالمشاركة .
فمن يرفض الانتخابات لأنها محكومة بسقف سياسي يرى أنه يتناقض مع مبادئه وثوابته الشرعية والسياسية، عليه أن يرفض أي نوع من المشاركة فيها مهما كان حجمه، وأياٌ كان الغطاء والمبرر الذي سيحاول الاحتماء به والاختباء خلفه, بل عليه واجب سياسي ومبدئي أن يوضح للجماهير الألاعيب التي تتبعها السلطة الحاكمة لإخفاء الشرور والمصائب التي ستلحق بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وحقوقه، والتي ستترتب على نتائج الانتخابات إذا جاءت حسبما يشتهي أصحاب القرار, فالواقع السياسي أثبت و يثبت كل يوم أن من يضع قدمه على سلم التنازل والتراجع، لن يتمكن من الوقوف والثبات في مكانه، بل سيستمر في التنازل صعوداٌ نحو الهاوية، ومن يضع قدمه على حافة المستنقع سيغوص فيه حتماٌ، ومن الناحية الشرعية يلحق الإثم والعقاب بكل من يشارك في جريمة ما حتى ولو بالسكوت عنها أو بالرضا القلبي عليها ودون أن يشارك فعلاٌ في التنفيذ، أليس إثم وعقاب الربا يلحق بآكل الربا وموكله وشاهده ، واللعنة من الله تلحق بالراشي والمرتشي والوسيط بينهما .